إيمان عزمي

الحلقة الثانية

استيقظ ماجد مفزوعا عند الفجر على كابوس و لم يكن قد نام سوى ساعتين فانتفض تاركا السرير متوجها إلى الغرفة الاخرى ليطمئن علي زوجته و لم يشعر شامل الذى كان غارقا فى النوم منذ ما يقرب من نصف ساعة فقط بعد أن أعياه التفكير بانتفاضته و ظل على حاله دون حركة دافنا وجهه الباكى فى الوسادة. و ما أن اطمئن ماجد علي زوجته النائمة حتى خرج متوجها إلى مسجد القرية ليصلى الفجر كما تعود دون أن يوقظ شامل من نومه فقد أراد أن يخلو بنفسه و وحدته عنه و غادر القرية إلى المدينة كما نصحه. حين استيقظت سهير كانت قمر قد أعدت لها وجبة الافطار فتناولتها فى هدوء و حاولت أن تغادر السريرو هى مازالت متعبة لتذهب إلى الحمام، فساعدتها و خرجت من الغرفة و هى تسندها فى الوقت الذى كان فيه شامل قد استيقظ و يغادر الغرفة الاخرى ليتوجه للحمام هو الاخر. استقبلها بسعادة كبيرة حين رأها لكن .. سرعان ما خبت سعادته و هو يتخيل صورة زوجها أمامه و هو يستيقظ كل صباح و يقبلها على وجنتيها و هى سعيدة بلمساته الحانية عليها، فهاجمت معدته التقلصات الشديدة، فقال: _ إذا أحتاجتما لي فأنا بأعلى. و أشار بيده إلي أعلي. و لكن ما أن فتح باب الشقة ليغادرها حتى سمع صوت اخته تصرخ باسمه، فجري إليها. كانت قمر تقف عند عتبة الحمام و هى تحاول الإمساك بسهير التى تتقئ على الارض و هى تنظر برعب فى أحد الاتجاهات، فالتفت إلى نفس الاتجاه فرأى ملابسها التى كانت ترتديها بالامس و الدم قد غطاها، فتناول سهير من يد اخته و قال بانفعال: _ فالتأخذى تلك الملابس من هنا. فى حين عادت سهير إلى البكاء و صرخت بصوت باكي: _ أريد ابني .. أريد ابني. و لم تستطع أن تستمر واقفة ً و هى تنظر لملابس النوم التى ارتدتها بدلا من الاخرى و التى تؤكد فقدها لجنينها للأبد، فاخذت تنتفض و تهزى بكلمات حانقة و جارحة لعدم اخبارها بالامر تجاهلها شامل الذي أعادها إلى سريرها و غطاها بالملائة ثم اعطاها حقنة مهدئة، نامت على اثرها حتى المساء. .~.~.~. فتحت سهير عينيها. كانوا جميعا بالغرفة زوجها و جارتها و الطبيب و قد انضم لهم شاب أخر سرعان ما تبينت أنه طبيب حين قام بقياس نبضها ووقف يتحدث مع شامل بمصطلحات علمية لم تفهم اى منها .. ثم قال موجها كلامه لها: _ حمدا لله على سلامتك سيدة سهير . اهتزت سهير بشدة حين نطق بكلمة سيدة و شعرت بالاختناق و قد تذكرت أنها الان اصبحت سيدة و مهما حدث لن يعيدها الزمن لتصبح تلك الفتاة التى كان طموحها أن تتزوج من شاب غنى يعوضها سنوات البؤس و الحرمان التى عاشتها منذ لحظة ميلادها حتى لحظة زواجها. جاوبته سهير بالصمت، فقال شامل الذي بدا عليه الحيرة و هو يقف: _ اعتقد أن مهمتي انتهت الآن . . فالتأذنوا لى فورائى اشياء كثيرة يجب أن اقوم بها. _شكرا لك دكتور. و أسفة على كلماتى القاسية لك. _عفوا. قالها دون أن ينظر لها، ثم قام ماجد بتوصيله حتى باب الشقة و هو يمطره بعبارات الشكر على حسن رعايته بزوجته، و ما أن اغلق باب الشقة حتى عاد إلى الغرفة و هو يحمل صينية بها طعام لسهير ، فقال الطبيب حين رأه : _ أحسنت صنعا، فهى الان فى أمس الحاجة إلى ذلك الطعام. ثم غادر مكانه حتى يتيح له الجلوس بجانبها ليطعمها. مد ماجد يده بالطعام، فترددت فى قبوله للحظات قبل أن تناولته منه فى صمت و ظلت على هذا الحال حتى انتهت من وجبتها، فأمسك بطرف فوطة سفرة مبللة و مسح به فمها. أرتعشت شفتيها من لمسة يده فبدا الغضب علي ملامحها، فغادر زوجها مكانه مسرعا فى الوقت الذى ناوله فيه الطبيب روشته بها اسم دواء لإيقاف النزيف الذى تعانى منه، ثم قال قبل أن يغادر: _ من الضرورى إحضارها المستشفى لتنظيف الرحم حتى يتوقف النزيف نهائيا. فنظرت سهير إلي زوجها و هو يغادر الغرفة مع الطبيب و هي تشعر بالمرارة اتجاهه لكونه السبب في كل تلك المصائب. .~.~.~. ظل شامل واقفا خلف باب شقة الزوجين و هو يفكر فيهما و سرعان ما قادته قدماه الى مزرعة السيد حمدان أحد أعيان القرية الذى يأنس دائما لصحبته حين يكون مشغول البال، فأستقبله الرجل بوجهه البشوش و هو يقول: _ هيا لتناول العشاء قبل الحديث. _ سآكل مع قمر حين أعود. فجلسا في الشرفة، و لاحظ السيد حمدان شروده، فأخرج الرجل علبة سجائره من جيبه و ناول شامل واحدة و اشعلها له، ثم قال لشامل: _ منذ متي و أنت تدخن؟! خرج شامل من شروده و نظر إلي السيد حمدان باستغراب و هو يقول: _ أنت تعلم أني لا ادخن قط. لكنه لاحظ نظرة الرجل المثبة على يده، فالتفت إليها ليجد نفسه ممسكا بسيجارة مشتعلة. ظل يقلبها بين أصابعه و هو يبحث فى عقله عن الطريقة التى وصلت بها إلي يده لكنه فشل فى التذكر، فالقاها ارضا و اطفأها بقدميه فى عصبية، ثم أخفى رأسه فى كفيه و هو يشعر بالخجل من الحالة التي وصل إليها و رغم ذلك لم يحاول السيد حمدان التدخل كعادته بالسؤال بل تركه جالسا وسط صمته و تفكيره دون أحساس به، و سرعان ما وقف و استأذن فى المغادرة، و أنصرف دون أن ينتظر الرد. و فى طريق العودة إلى المنزل كان شغله الشاغل .. ماذا يفعل إذا تدهورت حالته و كيف يمنعها؟! و تعامل مع الموضوع كأنه يتعامل مع مرض عويص.. ((_ لم أشعر بالاهتمام بها على الرغم من كلام ماجد الكثير عنها. أثارت بداخلي نوبة هلع بمجرد رؤيتي لها. أشعر بكياني ينتفض حين أراها. أريدها معي فى كل وقت. أشعر بالسعادة حين أنظر إليها. أكره ماجد كلما تذكرت أنه زوجها. تأثرت بها رغم عدم وجود حديث بيننا. و ..)) و أنتهى تحليله بقرار واحد.. ((_ لابد من ترك المزرعة.)) شعر بالقرار يمزق قلبه فتأكد من ضرورة الابتعاد عن عنها قدر الامكان و العودة إلى مسكنه فى القاهرة بصورة نهائية. هنا توقف عن السير قائلا لنفسه: ((_ هل حقا استطيع الابتعاد عنك ِ ؟)) و لم يجاوبه سوى قلبه الذى اضطرب بشدة و أخذ يخفق بعنف حتى كاد يبكى من الالم لكنه تماسك و جلس على فرع ميت لشجرة كافور و قد وضع يده المرتعشة على قلبه كأنه يمنعه من القذف خارج جسده حتى لا يعترض على قراره. و لاحت له صورة سهير المتعبه، فقال بضعف و استسلام كأنه يحدثها: _ لن أرحل حتى أطمئن عليك ِ. .~.~.~.

يتبع

التسميات: edit post
5 تعليقات
  1. غير معرف Says:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الرواية بدأت تأخذ منحى أكثر تشوقًا بوجود هذا الرجل الشاب الجديد الطبيب لكن يا عزيزتي أرى أن الحديث عن حالة مرضية كالتي فيها سهير يستدعي حالة من الوضوح في المرض -ولو بشكل يسير- وبعض خصائصه حتى لا يشعر القارئ بالتسطيح . لست مطالبة بالتحليل العلمي للمرض لكن إلماحة إليه فقط تكفي.
    الانفعالات كعادتها جاءت في تصورك أنت لا في الواقع ؛ فالمرأة التي تتكلم بألفاظ نابية وهي سهير لا يمكن للطبيب أن يقبل كلامها هذا ببساطة.
    التحول في موقف ماجد حتى صار يقبلها كلما استيقظت ويمسح لها فمها شيء جديد ربما أجد مبرره فيما بعد .
    ربما تكون العلاقة(سهير- شامل) هي المحور الذي تدور الرواية حوله لكني على الأقل بحاجة لفهم مبررات كل هذا الزخم الذي يخيم عليه عندما يرى سهير هانم.
    أعجبني تعبير كاد قلبه أن يخرج من جسمه أو شيء شبيه بذلك التعبير، كذلك الغصن الميت جاء استخدامه في وقته المناسب .
    حاولي الغوص في أغوار وخبايا نفس الأبطال وكلي ثقة أنك إن فعلت ِ ذلك فسوف تمتعيننا بمادة أدبية جميلة مثلك. دمت بخير وبالتوفيق . أحمد راشد


  2. إيما Says:

    جميلة ومشوقة الحلقة الجديدة يا إيمان .. بس حسيت فيه نسبة من المبالغة في ردود أفعال شامل !!..علي فكرة الفصل ده أوحي لي أن القصة ممكن تكون سيناريو لعمل مرئي كمليها كدة وفكري يمكن نشوفها مسلسل أو فيلم قريب :)
    بانتظار الحلقة الجديدة :)
    تحياتي


  3. السلام عليكم أخي أحمد رشاد
    كل ما أريدك أن تفعله هو العودة لقراءة الحلقة الاولى من الفصل الثاني لانها توضح أن سهير ليست مريضة لذا تابع الحلقات لتعرف الحقيقة.
    اما عن سباب سهير هو نتيجة ماحدث و ليست تلك الامور من عادتها و قد قدر الطبيب حالتها النفسية السيئة بعد فقد ابنها فتحملها خاصة أنه يحبها.
    يبدو أنك أخي مازلت لم تستوعب أنه وقع في حبها منذ اللحظة الاولى.
    ...............
    مرسي يا إيما على رأيك
    بالنسبة لردود افعال شامل هو كل اللى عمله فى الحلقه دي أنه حلل تصرفاته و لإنه غير مقتنع أن في حب من أول نظره و أن اللى هوه فيه ده هوه الجنون بعينه فبتلاقيه في حالة حيره و لخبطه ما بين حبه و بين أحساسه بالخطأ
    بل تلاقيه تايه و ظهر ده في إنه أخذ السجاره من صديقه من غير ما يحس


  4. غير معرف Says:

    منتظرة المزيييد
    لا استطيع الحكم على الرواية الا عند قراءة المزيد الا انها مشوقة للغاية ولا استطيع تخمين ما هو قادم


  5. الاخت شمس الليل
    اسعدني أنها راقت لك ِ و اتمنى أن تظل مشوقة حتى النهاية