إيمان عزمي
.~.~.~. ساعدت قمر سهير على تغيير ملابسها و غادرت الغرفة بعد أن اطمئنت إلى عودة الهدوء لاعصابها .. ذلك الهدوء الذى كان خارجيا فقط ، فقد كانت سهير تفكر فيما يمكن أن تفعله بعد ما حدث لها؟ و نامت بعد أن أعياها التعب الشديد من التفكير في مستقبل طفلها الذي لم يولد بعد. كانت أحزانها فى تلك اللحظة كثيره، فبعد أن كانت تفكر طوال الطريق من القاهرة إلى المزرعة كيف ستبلغ زوجها بخبر حملها و كيف سيستقبلها .. اصبحت تفكر كيف يمكن لها أن تتصرف معه و ماذا تقول له حين تراه ؟! هل تغضب و تنفعل أم تطلب تفسيرا منطقى لكل شئ ؟! ثم خبأت وجهها فى وسادتها و هى تتعجب من تبدل حالها بتلك السرعة من السعادة الشديدة إلى الكآبة و الحزن الشديد. نامت .. نامت دون أن تتوصل إلى نتيجة مرضية .. لكنه لم يكن نوما هادئا قط، فقد ظلت تتقلب فى سريرها طوال الليل ليس فقط من الكوابيس التي ظلت تهاجمها و إنما أيضا من تلك الحشرات التي اعتبرت دم سهير ثروة يجب الاحتفاظ بجزء منه فأخذت تعمل على تخزينه فى نشاط و همه .. هذا بالإضافة إلى أصوات الحشرات التي ظلت تنطلق طوال الليل في سيمفونية متواصلة مزعجة لتضفى مزيدا من العصبية على نومها المقلق و كأنها في حاجة إلى مزيد منها، فمكثت قمر بجانب سريرها تناولها كوبا من الماء كلما استيقظت فزعة من نومها أو تمسح العرق عن وجهها و الدموع عن عينيها و لم تهدأ سهير حتى نامت تماما مع تسلل ضوء الصباح. .~.~.~. استيقظت سهير من نومها فى العاشرة صباحا و هي تشعر بالأم في وجهها و يديها من لدغات الحشرات التي تسلت على دمها طوال الليل، فألتفتت لاول مرة لغرفة النوم التى تمكث بها فوجدتها متواضعة بالمقارنة بغرفة نومها بشقتها فى القاهرة و بغرفة النوم فى الفيلا التى كانت تتخيلها. تذكرت كل أحداث الامس، فغادرت السرير و ارتدت صندلها ثم خرجت من الغرفة و هي تحك وجهها الملتهب بكلتا يديها، فوجدت نفسها تسير في ممر به غرفة أخرى للنوم ثم الحمام و فى نهايته المطبخ. التفتت قمر إليها حين سمعت وقع اقدامها و هى تدخل المطبخ و دعتها للجلوس فى غرفة المعيشة و هى تحمل صينية بها افطارهما، فتناولا الافطار فى صمت و حين انتهيا قالت: _ إننى سعيدة جدا بحضورك؛ فوجودك سيقضى على وحدتى تماما. كان من الواضح أن قمر قد علقت أمالا كبيرة على نشأة صداقة قوية بينها و بين سهير ، فتطلعت الأخيرة إليها لتتفحص كالعادة من يريد صداقتها لكن ملابس قمر المتواضعة كان لها اثر سئ فى نفسها، فقد ايقنت أنها ليست من النوع الذى تهوى مصاحبته و رغم ذلك قالت و هي تبتسم لها ابتسامة ودية: _ و أنا سعيدة بمعرفتك. _ أتعرفين؟ لقد عشت في تلك القرية ثماني سنوات لم أنزل خلالهما إلي القاهرة و لو لمرة واحدة. فالتخبرين كيف أحوالها؟ _ كما هي بشوارعها و ناسها. و لكن تلك فترة طويلة لتبقي هنا فى القرية. من أي منطقة فى القاهرة أنت؟ _ من الحلمية. هل تعرفيها جيدا؟ _ بالطبع. لقد عملت بإحد الشركات هناك. _ آها. و أنت ِ ؟ كادت تخبرها بمكان سكن والديها لكنها قالت: _ من مصر الجديده. _ لا أحبها للاسف. فالبيوت بها تأخذ أشكالا عجيبه. على عكس قصور و منازل الحلمية. _ إذا كنت ِ تحبيها هكذا لماذا لم تزوريها كل تلك المدة؟ أطلت نظرة حزن من عينيها و هي تقول و قد أخفضت من رأسها: _ بمجرد أن اتممت دراستي الجامعية حتى تركنا قصرنا و جئنا لنعيش مع شامل هنا لكن والدتي ماتت بعد يوم من المجيء و ليس لي أحد بالقاهرة لأزورها. ربتت سهير على يدها متأثرة لدموعها التي أنطلقت بغزارة، و كانت تلك هى المرة الاولى التى تتأثر فيها بمشاعر انسان غيرها، فقد كان الشئ الوحيد الذى يؤثر فى مشاعرها هى تلك الاحداث التعيسة التى تحدث لها فقط. و لكن سرعان ما لمعت عيني سهير و هي تتذكر كلمة قمر. _قصر! قصر! لديهم قصر! لابد أنها كذوبه.. أفاقة، فمن ذا الذى يترك قصرا ليعيش في مثل ذلك المكان. لو كنت أملك قصرا ما غادرته أبدا بتلك السهولة. و لكن ربما تكون على حق. أه على حق و شامل .. ذلك الطبيب الأعزب. _ أيتها المجنونة. أياك ِ أن تجرؤيي و تفكري مجرد تفكير فى الأمر. أنت ِ زوجه و أم. أطلت نظرة غيظ من عينيها و هي تتذكر حالها لكنها أخفتها بسرعة و هزت رأسها لتطرد تلك الأفكار منها، فانتبهت قمر إلى الإحمرار الشديد على وجه سهير الذي ألتهب بشدة من كثرة الهرش، و اعتقدت أنها تتألم منه، فاستأذنتها و صعدت إلى شقتها ثم عادت بعد قليل: _ فلتضعي من ذلك المرهم على أماكن الالتهاب ليخفف عنك ِ. و بينما سهير تفعل ذلك إذا بصوت بوق سيارة ينطلق ليقطع حديثهما، فقالت بساعدة و هي تقف: _ لا بد أنه زوجك . ثم وضعت الايشارب على رأسها و اتجهت إلى الشرفة لترى القادم .. فى حين أجفلت سهير حين ذكرته قمر و ازدادت ضربات قلبها و تحول وجهها للصفرة و هى تفكر كيف يمكن أن تستقبله بهدوء بعد كل تلك الاحداث ؟! و بينما هى غارقة فى التفكير إذا بقمر تعود و تؤكد حضوره، فوقفت سهير و ظلت تتحرك بعصبية و تفكر فى لحظة لقاءهما التى ظنت أنها لن تأتى أبدا بسبب عدم استقباله لها بالامس: _ فالتهدئي قليلا. كم أعشق رؤية المحبين. و قبل أن تستوعب جملتها كان باب الشقة قد فتح و أطل منه زوجها و هو ينظر لها نظرته الهائمة دائما.
يتبع
.~.~.~.
التسميات: edit post
0 تعليقات