.~.~.~.
فتحت سهير عينيها ببطء و هى تشعر بصداع شديد، فوجدت نفسها راقدة فى غرفة نوم و قبل أن تتذكر أى شئ، رأت رجل برونزى البشرة ملامحه مضطربه له شعر حالك السواد مثل عينيه يرتدى قميص ازرق و بنطلون من الجينز الأزرق أيضا جالسا بجانب سريرها، قال و على وجهه ابتسامة خجوله: _ حمدا لله على سلامتك. حاولت سهير أن تغادر السرير و هى لا تعى أى شئ مما يحدث، فمنعها الرجل الذى لم يكن سوى شامل الطبيب و هو يمسك يدها بقوة و قال: _ سوف يصل زوجك المهندس ماجد بعد ساعة لذا لا داعى للخوف .. إنك هنا فى منزلك. ثم حرر يدها بسرعة من يده و كأنها ثوب من الحرير خائفا عليه من الانكماش من قسوة و خشونة لمسته عليه .. لكنه فى الواقع كان يحرر نفسه من سيطرتها على اعصابه و كيانه. كان يحاول أن يتخلص من ضعفه حتى لا تشعر بمكنون نفسه. و تزايد شعوره بالخيانة و هو يتأمل كل ملمح من ملامح وجهها الشاحب المتعب، فأشاح وجهه عنها غاضبا و كاد يصرخ من العذاب الذى كان يشعر به كخنجر مسنن حاد يقطع قلبه فى برود و لم ينقذه من تلك الحالة سوى سماعه لوقع اقدام أخته و هى تدخل الغرفة، فقال بابتسامة باهتة و هو يقف بسرعة و يشير باتجاه الباب: _ ها هى أختى قد أعدت لك ِ شوربة ساخنة و بعض الطعام. . اتمنى أن تأكلى جيدا من أجل جنينك، فذلك السفر الطويل كان يمكن أن يقضى عليه. نظرت سهير باتجاه الباب فوجدت الفتاة التى رأتها منذ قليل تطل من نافذة الشقة التى من المفروض أنها لزوجها تدخل و هى تحمل صينية عليها وعاء الشوربة و قد أزالت الطرحة عن شعرها الذي كان لونه اسود و ناعم مثل أخيها فرأتها شديدة الشبة له، فبجانب نفس لون الشعر كان لهما نفس الطول تقريبا و نفس الملامح الهادئة فقط أختلف لون عينيها التى كانت رمادية. رحبت بها قمر التي كانت ترتدي فستان طويل من القطن لونه اخضر ثم جلست على طرف السرير بجانبها و قالت و هى تسقى الشوربة بالملعقة لسهير التى احتل التعب جسدها بصورة لا تحتمل: _ لقد حان وقت التعارف .. أنا قمر مدرسة الحساب بمدرسة القرية. ثم اشارت لاخيها _ الذى لم يستطع أن يمنع نفسه من العودة إلى تأمل ملامحها المرهقة _ و أكملت: _ و هو أخي دكتور شامل طبيب القرية .. إننا نسكن فى الدور العلوى و قد عهد زوجك لنا برعايتك حتى يعود من المستشفى فقد أصيب أحد العمال بالمزرعة إصابة شديدة و اضطر إلى نقله إلى مستشفى المدينة. كان من المفروض أن يذهب شامل معه لكنه طلب منه البقاء من أجل رعايتك فى حالة حدوث أى شئ لك ِ . الان فقط شعرت سهير أنها أستوعبت كل الاحداث.. لقد خدعها زوجها حين أوهمها أمتلاكه لتلك المزرعة. ((_تعلم أنني سأنهار حين أعرف الحقيقة لذا تركت لي الطبيب ليعالجني. اى انسان هذا الذى تزوجته؟! أين عقلي حين وافقت عليك ؟! لقد درست طوال ثلاثة اشهر كل معلومة عنك قبل الموافقة على الزواج منك .. حتى المزرعة اصررت ان أراها قبل أن أعطيك موافقتي النهائية . كيف استطاعت خداعي و خداع والدى الذى ذهب بنفسه للشهر العقارى ليتأكد من ملكيتك للمزرعة ؟! )) ودت لو تصرخ بأعلى صوت و قد باتت علي يقين من أنها تزوجت من شخص أخر غير الذى كانت ترى فى عينيه الحب الشديد لها كلما نظرت إليه .. بل .. لابد أنها تزوجت من نصاب محترف حتى يستطيع أن يخدعها هكذا. و لم تستطع أن تتحكم فى دموعها التى انطلقت بغزارة من عينيها لتزيح أوهامها بالسعادة ، فانكمشت على نفسها و غطت وجهها بيديها وهى تسأل نفسها عن الذنب الذى أقترفته حتى يحدث لها كل هذا. كانت تنتحب بشدة مما أزعج الاخوين، فوضعت قمر الصينية على طاولة صغيرة بجانبها ثم التفتت إليها و ضمتها بقوة علها تخفف عنها حزنها و هى تتذكر تحذير جارهم المهندس ماجد من ضرورة احتواءهما لها لرقتها و عدم تعودها على الغربة عن أسرتها.. أما شامل فظل واقفا مكانه يراقبها و قد إزدادت مشاعره المضطربة التى أجتاحته عند رؤيتها للوهلة الاولى بعد أن كانت هدأت قليلا، فظهرت ارتعاشة خفيفة على طرف شفتيه سرعان ما تحكم فيها و اخفاها. ثم قال بعد تفكير و هو يكاد يفقد وعيه من الانفعال: _ من الافضل أن انصرف و سوف اترك لك ِ قمر لتبيت معك ِ فمن الواضح أن ماجد لن يعود اليوم فإذا احتجت أى شئ اطلبيه دون تردد. قال جملته و خرج مسرعا من الغرفة دون أن ينتظر ردها، فقد أيقن أنها لو نظرت إليه لفهمت تأثيرها الشديد عليه في الوقت الذى مسحت فيه دموعها و لمحته من ظهره قبل أن يختفى تماما من أمام بصرها।
.~.~.~.
كانت كل خطوة يخطوها شامل و هو خارج من الشقة هى خطوة فى طريق الهروب منها. كان مصمما أن يهرب حتى لو أضطر الى السير لسنوات فى صحراء مصر كلها بل العالم كله لو اضطره الأمر لذلك .. فقط كى يهرب من نفسه و منها. لقد سار فى طريقه صاعدا لشقته ككتلة متحركة من العذاب و الذهول. ظل ينكر ما يحدث له ولا يصدق منه شيء. كان مؤمنا أنه لا يوجد شيء أسمه الحب من النظرة الاولى على الرغم مما كانت تقصه والدته عليه من قصة والده معها لكنه أبدا ما كان يصدق الامر، و ظل عمره كله يعتقدها تبالغ فى قصة حبها .. لكنه الان لا يعرف بما يؤمنبه، فهو لا يريد أن يؤمن بوجود الحب و أن ما يشعر به هو الحب. لا يريد أن يؤمن بوجود حب محرم .. هو يريد أن يصرخ بأن ما يجثم الان فوق صدره ليس إلا خيالات و أوهام و ربما شهوات محرمة دون أن يكون هناك مكان لما يطلق عليه الحب المحرم، فالحب بالنسبة له لا يمكن أن يكون محرم .. بل هو الحلال الذى يساعد البشر لاكمال مسيرتهم الصعبة فى الحياة. و هو ليس محتاج لمن يعاونه على استكمال مسيرته لانها لم تكن صعبة قط. هو لا يريد سوى أن تستمر به الحياة كما كانت عليها قبل عدة ساعات .. هو لا يريد سوى أن يعود به شريط الحياة إلى لحظة أن وقع نظره عليها لأول مرة كى تمر به الاحداث كما كان يجب لها أن تمر .. لكن ذلك درب من الجنون فلا الزمن يعود للوراء و لا يستطيع أن يستمر فى تلك الحالة إلى الابد. لكنه رغم ذلك لم يستطع أن يجد لنفسه علاج و هو الطبيب. و صعد إلي شقته يجر خلفه حيرته من حالته. دخل غرفته ووقف وسطها ذاهلا و هو يحدق فى الفراغ. ظل يفكر و يفكر فى مشاعره حتى أعياه التفكير، فارتمى على اقرب مقعد له و القى رأسه على ظهره كأنه بذلك يلقى بكل همومه إلى غير رجعة، و ما كاد يغلق عينيه كى يستريح حتى أعلنت نفسه الحرب عليه. كانت تنهره على ذلك التهور الذى يندفع إليه بخطوات ثابته، فبدا غاضبا من الكون و ما فيه و هو يتعجب من نفسه التى تنهره مع أنها هى السبب فى حالته، فهو ليس بيده شئ حتى يتحكم بتلك النفس الامارة بالسوء و يمنعها من أن تشعر بأى إحساس، فأنتفض واقفا و خرج من الغرفة بخطوات عصبية حتى دخل الحمام، و توضأ ليصلى كى يطلب من الخالق أن يرحمه و يعينه على المرض الذى ابتلى به ॥ فقد أمن أن ما يشعر به ما هو إلا أعراض مرض خطير عليه أن يحاربه بكل قوته و عزيمته و كل الطرق الممكنة حتى يستطيع التغلب عليه ثم أعاد الوضوء و هو يحاول التخلص من وجهها الذى ظل يطارده। أعاد الوضوء خمسة مرات دون فائدة ، فوجهها يأبى مغادرة عقله، فما كان منه إلا إعداد الحمام للاغتسال كى يتطهر من أحساسه بالخيانة لعقيدته و لجاره و لها و لكل مبادئة و تربيته و عاداته و تقاليده.
يتبع .~.~.~.
بسم الله الرحمن الرحيم
عزيزتي :
لا أريد أن يكون كلامي مكررًا لكني لاحظت أن إيقاع الخطابة والتعليل زاد بشكل مخيف أكثر من حالة الدكتور شامل .
من الممكن أن تكون هذه تقنية متعمدة منك لإشعار المتلقي بحالة ما من الجمود والرتابة لكن الرؤيا لم تتضح بعد والبحث مجرد البحث عن تشويق ليس كافيًا غير أن العقدة وراء حالة كل من الدكتور شامل وسهير ليست واضحة بما يكفي ولعل في السطور القادمة ما يقنعنا بما في ذهنك المتوقد .. أرجو لك التوفيق يرعاك الله