إيمان عزمي
.~.~.~. توقف القطار مع شروق شمس الصباح فى محطة الجيزة ، فوقفت سهير لتحرك قدميها و ما أن زادت حركة الركاب به حتى عادت للجلوس و امسكت بمجلة ازياء كان قد احضرها لها زوجها قبل أن يضطر الى تركها للعودة الى المزرعة لاتمام عملية تجديدها . ظلت تقلب صفحاتها حتى توقفت عند صفحة مخصصة لملابس الحوامل فى الوقت الذى جلست فيه سيدة فى العقد الخامس على المقعد المواجه لها دون أن تلاحظها لانشغالها باختيار الملابس المناسبة لها. و حين تحرك القطار خارجا من المحطة عاودها الخوف مرة اخرى، فتركت المجلة من يدها و تطلعت من النافذة لكن بصرها لم يستطع أن يتمتع بجمال الطبيعة المحيطة بها .. تلك الطبيعة التى لم تشهد مثلها ، فقد كانت تلك هى المرة الثانية التى تخرج فيها سهير عن محيط القاهرة بتمدينها و عشوائيتها، فالمرة الاولى حين زارت مع اسرتها المزرعة كانوا قد ركبوا قطار النوم فلم تتبين أى من ذلك الجمال و فى الصباح حين وصلوا الى المحافظة التى بها القرية ظلت مشغولة طوال الوقت بالحديث مع خطيبها أما الآن فهي مشغولة البال بموضوع آخر: _ هل أخبره بمجرد رؤيته فى المحطة أم حين ندخل الفيلا أم أنتظر حتى أنفرد به فى غرفتنا ؟ و تذكرت لهفته على الانتهاء من استقرار شئون المزرعة حتى تحضر و الحاحه عليها لتنتقل لتعيش معه فى اقرب فرصة. ثم انفرجت اساريرها دون أن تشعر و هى تتذكر مداعباته الرقيقة لها ليلة سفره و نظرة الشوق في عينيه و هى تودعه فى المحطة. _ يبدو أنك ِ عائدة الى منزلك لتشرق وجهك تلك الابتسامة. انتزعها كلام السيدة الجالسة أمامها ذات اللكنة الاجنبية من ذكرياتها فأغضبها الأمر لكنها تمالكت اعصابها و تطلعت اليها و هى ترد بهدوء: _ نعم . ثم امسكت عن الكلام و هى تتفحص السيدة المعتدلة القوام كغادة في الثلاثينات و شعرت بالحرج و هى تتفحص وجهها بوضوح فأتجهت بوجهها صوب النافذة، لكن وجهها الدائرى المشرب بالحمرة و شفتيها المكتنزتين و عينيها الخضراوين التى يتيه الانسان فيهما كما يتيه الغريب وسط الحقول الخضراء و الانف الصغيرة و الغمازتين التى اضافت جمالا لها كل ذلك لفت نظر سهير بشدة نظرا لاحتفاظ تلك السيدة بجمالها على الرغم من سنوات عمرها المديده. و على الرغم من أنها لا تحب الكلام مع الغرباء وجدت نفسها تنساق الى حديث ودى معها الهاها طوال الطريق. و كم كانت سعادتها حين عرفت أنها زوجة الطبيب العالمى حسين سلامه المتخصص فى أمراض العقم. بل طغت السعادة عليها حين علمت أنها هي الاخرى ذاهبة للمكوث مع زوجها الطبيب في مزرعتهم القائمة بنفس القرية التى بها مزرعة زوجها. و تيقنت أنها بهذا التعارف قد أصبحت احد افراد المجتمع الراقي. .~.~.~. وصل القطار أخيرا إلي وجهته حيث المدينة الصعيدية البعيدة و كل من المرأتين تحملان الامل فى لقاء زوجيهما حتى لا يضطرا الى الانتظار فى العراء بعد أن اتعبتهم حرارة صيف 1971 الشديدة، فقام حمالا بحمل حقاب السيدتين حتى خارج المحطة حيث وجدت السيدة سوزان عربة زوجها قد وصلت لتوها و قام سائقها بفتح باب السيارة لها حين رأها ، فقالت السيدة سوزان لها: _ لا أستطيع تركك وحدك، سأوصلك. ما أسم مزرعتكم عزيزتي؟ _ إنها بأسم زوجي. مزرعة المهندس ماجد عباس مسعود. _ من؟! امتقع وجه السائق حين نطقت بأسم المزرعة و لم يكن وحده فقد شاركته السيدة سوزان ردت الفعل لكن التعب الذي استبد بسهير لم يعطيها الفرصة لتتبين الأمر على ملامحهما. فقط أعتقدت أنه لم يسمع الاسم جيدا لذا رددت الاسم مرة أخرى عليه ثم قالت للسيدة: _ لا تقلقي. يمكنك ِ المغادرة إذا لم يكن يعرف المزرعة. _ لا عزيزتي. لن أغادر قبل مجيء زوجك. هيا لنجلس في السيارة. فاستسلمت سهير لها و قد ملأها الغضب من تأخر زوجها عليها. في الوقت الذي عاد فيه سائق السيدة إلي المحطة ليبحث عن زوجها.
يتبع
.~.~.~.
التسميات: edit post
4 تعليقات
  1. السلام عليكم

    قرأت الفصل بجزئية وأعجبني جداً أسلوبك المتميز والراقي في الكتابة
    وفي إنتظار الجزء الثالث

    خالص تحياتي


  2. و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته
    أسعدنى كثيرا أن الرواية جذبت أنتباهك
    و أتمنى ان تحظي باقى الاجزاء على أعجابك
    لقد قمت بإنزال الجزء التالت فى إنتظار رأيك
    لك منى التحية


  3. بسم الله الرحمن الرحيم

    عزيزتي :
    حقيقة أنا أشعر بأن العمل ما زال أمامه وقت طويل لكي يحكم عليه لكني أرجو أن تبدئي في إعادة ترتيب الأفكار في ذهنك مرة أخرى حتى لا تقعي في أخطاء الماضي .
    جائز في الرواية كل شيء ، وحتى الآن لم أجد ألفاظًا مستخدمة بشكل مجازي ..التعبير عن الطبيب كأنه المتصوف في دار العبادة لم يرقني على الإطلاق فالعبادة تتسم بالصمت والهدوء الشديد بينما العمل يتطلب قدرًا كبيرًا من الحركة والبحث والاتصالات . ربما أقبل التبعير إذا كانت الفتاة ميتة فأقول هيبة الموقف لكن هنا الموقفان مختلفان تمامًا . ما زال أمام الرواية أشواط طويلة كي لا أستعجل الحكم لكن أرى أن الآن الوقت المناسب لاستعراض مهاراتك القصصية وتكثيفها في الرواية وأرجو لك التوفيق


  4. كيف حالك أخى طواف البحار:
    بالفعل صعب الحكم على الرواية فى بدايتها و لكن يسعدنى ملاحظاتك
    دائما