إيمان عزمي
.~.~.~. عاد السائق بعد قليل إلي السيارة و خلفه سائق أخر، فأخبر سهير أن زوجها بعثه لها لأنشغاله و كانت نظرة السائقين لها غريبة و رغم ذلك تجاهلتهما من التعب و هى تطلب من سائقها أن يحمل حقيبتها إلى سيارتها و غادرت سيارة السيدة سوزان و هى تشكرها على تعطيل نفسها من أجل الاطمئنان عليها و وعدتها بزيارة قريبة لها فى المزرعة .. و غادرتهما و هى تسير ببطء و ما أن وصلت إلى السيارة التى ستقلها حتى صرخت: _ ما هذه؟! _ السيارة! _ و هل قلت عليها أنها مركب؟! بهت الرجل من صراخها في وجهه و غلى الدم في عروقه فقال و هو يجز علي أسنانه: _ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. اللهم أخزيك يا شيطان. ثم نظر لها شزرا و قال: _ إذا لم تعجبك يمكنك الانتظار حتى يأتي المهندس ماجد ليقلك بنفسه. ثارت ثائرة سهير لكن تلك المرة بداخلها بعد أن سيطر عليها شعور بالاضطراب و عدم الاطمئنان و القلق و هى ترى كل شئ عكس ما خططت له ، فزوجها لم يحضر لاستقبالها و السيارة ليست جديده كما وعدها و الاهم ذلك السائق الذى بعثه لها ذو الشكل الهمجي و اللسان اللازع .. ترى ماذا يخبئ لها القدر ؟ جال هذا السؤال برأسها و هى تستقل السيارة المتواضعة فى ضيق .. و ما أن انطلقت السيارة فى طريقها حتى شعرت بكل ذرة فى جسدها تهتز بعنف مع كل اهتزازة لها كأنها تستقل أحد العاب المرح العنيفة التى سمعت عن وجودها فى مدينة ديزنى لاند الامريكية و ليس سيارة تسير على الارض.لكن ذلك الضيف الجالس فى غرفة صالون اختها المتواضعة منذ عدة أشهر أطل بوجهه عليها لينتشلها من كل ذلك الى حيث هو. .~.~.~. بدت الحركة بشقة أختها غير طبيعة في ذلك اليوم. و حين دخلت لتقدم للضيف فنجان الشاى بدلا من أختها التى رقدت فى السرير متعبة فهمت منذ اللحظة الاولى أن ذلك الشاب ذو البشرة البيضاء المعتدل الطول الذي يجلس باعتزاز و ثقة و هو يتفحص ملامح وجهها ما هو إلا عريس جديد لها ، لذا جلست فى كبرياء و خيلاء أمامه كى توهمه بالتعالى عليه فيهين ذلك كرامته التى كان من الواضح على ملامحه أنه يعتز بها كثيرا و لكن .. صدمت حين وجدته يرد على تعاليها بابتسامة هادئة و تجاهل تام و هو يتحدث إليها بود و اعجبتها ردت فعله للوهلة الاولى خاصة و هو يجذبها بالحديث إليه بطريقة شيقة حتى تمكث معه لبعض الوقت فى الغرفة قبل أن يأتى صديقه _زوج أختها .. و بالفعل جارته فى الكلام و ظلت قرابه الساعتين و هى جالسة على مقعدها دون أن تغادره و حين دخل زوج أختها عليهما الغرفة كانت سهير تغادرها و قد أشرق وجهها من السعادة . . فقد كان معرفتها بإمتلاكه لمزرعة كفيلا لموافقتها عليه خاصة و هو يماثلها فى العمر و يمتلك أيضا شقة واسعة فى أحد أحياء القاهرة الراقية و يعمل والده مدير قسم بأحد البنوك .. أى أنه كان يحمل كل مواصفات الزوج المثالى الذى تمنته .. المال و الاصل و التعليم فهو خريج كلية الزراعة .. الان فقط شعرت أن الدنيا عادت لتبتسم لها من جديد و أنها لن تخزلها أبدا لأنه توج كل مميزاته السابقة بحب لمحته فى نظرة عينيه لها منذ أول لحظة فى لقاءهما . .~.~.~. أدار السائق كاسيت السيارة ليرتفع صوت أحد أكثر الاغانى الشعبية التى تمقتها سهير، فحاولت أكثر من مرة أن تتجرأ لتطلب منه خفض الصوت و إبطاء السرعة لكن جراءتها كانت تخونها دائما كلما نظرت إليه، فقد أشاع مظهره الرعب فى داخلها و حطم جراءتها المعهودة بها . . و حين لم تعد تحتمل ألام ظهرها صرخت قائلة: _ فالتبطء قليلا. ثم عادت للصمت سريعا و هى لا تستطيع أن تفتح عينيها من الالم لكن ما أن سمعت صوت ضحكة ساخرة مكبوته حتى فتحت عينيها، فوجدت السائق ينظر لها بسخرية تاركا السيارة تسير وحدها فصرخت برعب: _ فلتنظر أمامك. و لفت يدها حول بطنها و قد تيقنت أنها اغبى إنسانة فى الدنيا حتى تخاطر بحياة جنينها من أجل أن تنتقل للعيش فى المزرعة لتكون سيدتها الاولى و الاخيرة. عاد السائق بنظره إلى الطريق دون أن يعلق بشئ .. فقط ملامحه كانت تزداد سخرية منها مع مرور الوقت حتى قال فجأة و هو يخفض صوت الكاسيت: _ سوف نصل قريبا الى قرية " العال " و بعد ثلاث ساعات سنصل الى مدخل القرية. فالتفتت سهير إلى النافذة لاول مرة منذ إنطلاق السيارة و تعجبت لكل تلك الخضرة التي لم ترى مثيل لها من قبل فلم يكن البصر يستطيع أن يري نهايتها.. ثم نظرت فى ساعتها فوجدتها تقترب من الثامنة مساءً ، فتبينت أنهما قطعا ساعتين منذ أن غادرا المحطة و حسبت المسافة من القاهرة إلى القرية فوجدت أن الرحلة تستغرق أكثر من 17 ساعة فهالها الرقم الذى لم تشعر بضخامته فى المرة الاولى التى زارت فيها المزرعة و أحست أنها ابتعدت عن المدنية سنوات كثيرة على الرغم من أنها لم تصل للقرية التى ستصبح أحد أعيانها بعد. كان منظر الغروب خلابا و الشمس تغطس مختفية وسط الحقول و أحست سهير برعشة تسرى فى جسدها على الرغم من شعورها بالحر الشديد. تساقط العرق بغزارة على جبهتها، فالتفتت الى حقيبة يدها التى كانت على الاريكة بجانبها و حاولت عبثا أن تجد بها منديلها فقد غرق الوجود فى ظلمة شديدة مع أختفاء اخر ضوء فى السماء: _ أنر من فضلك اللمبة. و أشارت إلي لمبة صغيرة فى سقف السيارة لكن الرعب أجتاحها حين لم تستطع أن تتبين ملامح الطريق الذى تسير عليه السيارة و تعجبت كيف يستطيع السائق أن يخترق الطريق المظلم دون أن يخطئ فى أى انحناء به. و بينما تتأمل بصعوبة ملامحه إذا بطلق نارى يقطع سكون الليل ليضفى كثيرا من الرعب على ذلك الجو الذى لم ترى مثله من قبل فقد كانت زيارتها الاولى للمزرعة فى وضح النهار و لم تمكث يومها بالمكان أكثر من نصف ساعة ثم أنطلقوا إلى المدينة و قضوا بها باقى اليوم. أنتفض جسدها بشدة، فعادت نظرة السخرية تطل على ملامح السائق الذى ظل متطلعا للطريق ثم قال بعد أن وجدها مازالت ترتعش خوفا : _ إنه وقت استرداد الارواح . ثم عاد إلى الضحك المكبوت، فصرخت: _ ما الذى يضحكك هكذا ؟! إننى لا أخاف الاشباح فهى غير موجوده . _ لقد قلت الارواح و ليس الاشباح. ثم أطلق ضحكة ساخرة طويله قبل أن يقول: _ إن صوت طلقات النار المتعاقبة هو للعائلات التى تخرج ليلا للاخذ بثأرها من بعض ، و هو أمر لا يدعو للخوف. ثم تحدث بحماس عن ذلك الامر حتى خيل لها أنه يتكلم عن نزهة يقوم بها كل سكان القرى لتبديد الوقت و إشاعت جو من المرح و التسلية .. فلم تعلق و أكتفت بسؤاله عن ميعاد وصولهما، فأخبرها أنهما على مشارف الطريق الوحيد المتصل بالقرية و ما هى إلا دقائق حتى انحرف بالسيارة إلى طريق جانبى غير ممهد أكثر ضيقا و وعورة من سابقة. و بعد ساعة استطاعت سهير أن ترى بصيص ضوء من بعيد فتبينت أنهما وصلا إلى مدخل القرية ، فتسارعت دقات قلبها دون أن تدرى سببا لذلك .
يتبع
.~.~.~.
التسميات: edit post
0 تعليقات