إيمان عزمي
الحلقة الاولى
تململ في سريرة بعد أن أعيته محاولاته البائسة للنوم. و أخيرا تحسس طريقه إلي كبس النور و أضاءه فغمر الضوء الغرفة فأغلق عينيه للحظات قبل أن يفتحهما و يجول بهما في المكان بعقل فارغ من أية أفكار. شعر ببلاهة سلوكه فهو لم يكن يبحث عن شيء بجولته تلك فأغلق النور و هو يعبر باب الغرفة إلي الطرقة الخافتة الضوء.لم تكن تلك هي الليلة الأولى التي يقضيها وحده في شقته الجديدة في ذلك الحي القديم من المدينة، فمنذ أن طلق زوجته منذ شهر مضى و هو يعيش وحده فيها. قادته قدميه إلي الغرفة المجاورة التي أعدها لتكون غرفة لابناءهما في المستقبل لكن زوجته أصرت علي الطلاق الفجائي دون أن تبدي أسباب لتموت الغرفة حتى إشعار أخر. عاد و أغلق نور الغرفة و أغلق بابها على أحلامه الموؤدة كغيرها من الأحلام و تجول في الشقة يضيء كل غرفة يدخلها ليشاهدها كأنها مرّته الأولى التي يدخلها ثم يعاود الانسحاب منها لرؤية أخرى.كان النوم يجافيه كما لم يجافيه من قبل و استقر أخيرا في الصالة حيث ألقى بجسده المرهق على الأريكة الجديدة و فتح التليفزيون لمشاهدته لكن قنواته كانت تعرض كلام مبتور فأغلقه و هو ينظر إلي ساعة الحائط التي جاوزت الحادية عشر و النصف بقليل. فقرر أن يقوم بجولة ليلية علّ الإرهاق يغلبه و يعود سريعا لينام.ارتدى ملابس الخروج و غادر الشقة و هو يسمع صوت عقارب الساعة في معصمه تعلن انتصاف الليل لكنه لم يعبأ على الرغم من أن الليلة كانت مظلمة لكنه ما أن خطى بقدمه في الشارع بضع خطوات حتى هطل المطر غزيرا. و للمرة الأولى تلك الليلة يشعر بالسعادة، فها قد قارب الشتاء على الانتهاء في صمت و جفاء و جفاف. لكن الأمطار تحمل له بشرة خير هكذا شعر و هو يرفع رأسه للسماء لتصطدم قطرات المياه بوجهه فلطالما عشق ملمس الأمطار على جفونه لكنه سرعان ما أخفضها فزعا حين شعر بكف توضع على كتفه و صوت يقول:_ جميل، أليس كذلك؟وضع الرجل يده على قلبه الذي كاد يتمزق من الخضة و التفت قائلا:
_ نعم، إنــــ ..
و توقفت باقي الجملة بحلقة، فالشارع خالفي من المارة و الدكاكين القليلة به مغلقة حتى أبواب العمارات القديمة مغلقه، بل بنظرة واحدة للشارع شعر أنه وحده مع الأمطار في هذا الكون. و أخيرا تحول الذهول و الخوف على ملامحه إلي سخرية من عقله المرهق و تلك الخيالات الفارغة، و سار عائدا إلي منزله.بحث كثيرا في جيبه عن مفتاح المنزل حتى وجده و قد زاد شوقه لدفء شقته بعد أن زاد الجو برودة و ارتفعت أصوات تكاد تصم الأذان لم يعرف لها مصدرا و لم يستطع تمييز شيء منها سوى الرهبة التي أثارتها في نفسه. وضع المفتاح في فرجة الباب لكنه آبى أن يفتح. جربه مرارا و تكرارا دون جدوى، و أخيرا نظر يائسا للبناية مفكرا في أمكانية مناداته على جاره الوحيد بها_ ذلك المحاسب العجوز، لكن سكون الشارع إلا من الأمطار بدا كأنه يحذره، فعاد لمحاولة فتح الباب حتى سمع صوت خلفه يقول:
_ لا تحاول. لقد سجنت.
توقفت يده عن الحركة و كاد يلتفت للخلف بسرعة ليري ذلك الذي يحاول أخافته لكن الضحكة الشيطانية التي أطلقها صاحب الصوت جمدته.
يتبع