إيمان
*******
للشاعر إبراهيم ناجي
............
قدر أراد شقاءنا ... لا أنت ِ شئت ِ و لا أنـا
عزَّ التلاقي و الخطوط السود حالت بيننــــــا
قد كدت أكفر بالهوى.. لو لم أكن بك ِ مؤمنا
....................
الفصل الثانى : صراعات فى القلوب
الحلقة الاولى
فتحت سهير عينيها بصعوبة و هى تشعر بكل ذرة فى جسدها تصرخ ألما. لم تستطع أن تتبين ملامح المحيطين بها، فعادت و اغلقتها للحظات و هى تسمع صوتا مضطربا يتصنع الهدوء قريبا منها يقول:
_ سوف تسترد وعيها كاملة بعد لحظات.
تبينت أن الصوت لشامل الطبيب التى سمعته يهمس:
_ ممنوع الحركة لمدة اسبوع.
و حين فتحت عينيها مرة أخرى وجدته جالسا على حافة السرير بالقرب منها و فى عينيه حزن شديد تعجبت منه و هى تسأل نفسها عما إذا كانت حالتها الصحية هى السبب فى حزنه أم شئ أخر لكن سؤالها لم يغادر عقلها قط إلى لسانها، فقد رأت أن ذلك الحزن ربما يكون من خصوصياته ففضلت ألا تحرجه أمام أحد.
و ألتفتت تبحث عن زوجها. فرأته منزويا بالقرب من نافذة الغرفة و علامات الحزن و الخوف محفورة على وجهه. اشاح بوجهه بعيدا عنها بمجرد أن تلاقت نظراتهما و ما هى إلا لحظات حتى وجدته يندفع خارجا من الغرفة، فنظرت لشامل كي يلحق به، فقال و هو يقف موجها كلامه إلى اخته التى كانت تجلس على الطرف الاخر من السرير:
_ فلتعتنى بها حتى أعود.
و غادر خلفه.
.~.~.~.
إندفع شامل خلف جاره و قد علفته هالة من الحزن تفوق ما يمكن أن يتصوره أى انسان. كان حزينا لحزن ماجد و حزينا لما يمكن أن يحدث لها حين تعلم باجهاضها و حزينا أشد الحزن للسعادة الشديدة التى كانت ترقص فى عقله منذ فقدانها الجنين الذى كان يرى أنه سيزيد من أرتباطها بزوجها لو كان عاش، و عاوده الشعور بالخيانة ليس لذلك الحب الذى احتل قلبه دون استأذان و ليس لانه يكاد يفقد عقله من السعادة لفقدها لجنينها و لكنه كان يعتقد أنه السبب فى فقدها له بتقصيره عن عمد فى عملية انقاذه و تناسى تأثير الرحلة الطويلة عليها و كذلك حالتها النفسية السيئة .. فقط كان يشعر بعقدة الذنب تهاجمه كخلية نحل ليس لها هم فى الحياة إلا إلحاق أشد الالم به هو وحده دون غيره. فلم يكن لأحد أن يشعر بعذابه .. لا ماجد غريمه، و لا قمر أخته و الاهم منهما سهير. و رغم ذلك شعر أن عذابه هو نقطة فى محيط عذاب جاره لذا وجد نفسه مشفقا عليه اكثر من أشفاقه على نفسه و يرثى لحاله اكثر من رثاءه على حاله.
.~.~.~.
انطلق ماجد هائما وسط الحقول المظلمة بعد أن تعدت الساعة الثامنة و النصف مساءً، و قد كانت نظرة واحدة له كفيلة بأن تجزم أنه فقد عقله للأبد، فحاول شامل أن يثنيه عن جولته تلك حتى أستطاع أن يمسك بكتفه بقوه و يصرخ فيه قائلا:
_ يجب أن تتماسك حتى تستطيع مساعدتها .. إنك لست أول شخص يفقد طفله قبل أن يولد .
ثم قال بصوت أهدأ:
_ ما حدث لها أمر متوقع بسبب طول مدة السفر التى قطعتها.
لكنه بدلا من أن يهدأ أرتفع نشيجه و أرتمى على الارض الرطبة و أخذ يصرخ بصوت هز الحقول الصامتة:
_ كيف فعلت بك ِ ذلك و أنا أحبك ؟! كيف؟!
بدت الدهشة على ملامح شامل لكنه لم يعلق فقط ربت بيده على كتفه ليخفف عنه بعض من الامه فى الوقت الذي وقف فيه و قال:
_ يجب أن اعود لها .. و سوف أرضيها كما تريد .
فاوقفه بسرعة و قال بانفعال:
_ إن أى انفعال عليها الان فيه خطورة عليها و أنا لن استطيع مساعدتها أكثر من ذلك.
لم يعلق ماجد الذى ظل ينتفض و هو يمسح دموعه، فأكمل شامل كلامه قائلا:
_ من الواضح أنك ارتكبت خطأ فى حقها و لكن تسرعك فى اتخاذ اى خطوة لإصلاحه الآن سوف يسبب لها مشاكل نفسية هى فى غنى عنها. الأن عليك أن تركز اهتمامك على رعايتها و تؤجل أى موضوع حتى تسترد كامل صحتها.
و على عكس ما كان يعتقد شامل لم يكن ماجد يفكر في إجهاض سهير و هما فى طريق العودة لشقته، و لكن..
((_ كيف سمحت لنفسي بخداعك؟ لابد أنكِ تكرهيني بشدة.))
لكن الندم الذي شعر به في تلك اللحظه لم يكن كافيا لديه ليعيد له الامل الواهي بأن تعشقه كما يعشقها.
و ما أن أقترب الرجلين من باب المنزل حتى قال شامل:
_ عليك المغادر مبكرا لإحضار طبيب نساء من المدينة للكشف عليها.
أومأ ماجد برأسه بالايجاب، فأكمل قائلا:
_ و الان عليك بالجلوس هادئا فى الغرفة، فإذا رفضت وجودك عليك المغادره في هدوء.
و لكن حين دخلا كانت سهير قد عادت للنوم و قمر تجلس نائمة على مقعد بجانب سريرها هى الاخرى، فانسحب الرجلين من الغرفة إلى الغرفة المجاورة. و ما أن دخلاها حتى شعر شامل بأن شخصية الطبيب الصديق التى كانت تتحكم فى كل تصرفاته السابقة مع ماجد قد أنخلعت عن نفسه كعبائة بالية دون إرادة منه ليحل محلها عبائة المحب الغيور.
و بات ليلته مسهدا .. تحرقه الغيرة من ذلك الزوج الراقد بجانبه على السرير و تحرقه اشواقه التى كانت تحاول أن تدفعه دفعا كى يتسلل إلى غرفتها ليتطلع اليها و هو يجاهد و يمنعها، و لم يشغله عن تلك المشاعر سوى محاولة تذكره لكل الكلام الذى كان ماجد يتحدث به عنها قبل أن تأتى و قد كان كلاما كثيرا لكنه ما كان ينتبه له قط.
كان يحاول فى تلك اللحظة أن يستكشف شخصيتها و طباعها و سؤال واحد يتردد فى عقله باستمرار. هل يمكنها أن تستمر فى زواجها بعد كل تلك الاحداث ؟! خاصة و قد كان واضحا له بعد كلام ماجد معه من أنه قد جرحها جرحا لا يغتفر.. لكنه لم يستطع أن يتوصل لإجابة و لم يكن وحده هو الذى يفكر فى مستقبل زواجهما بل كان يشاركه ماجد فى حيرته و رغم أن كل منهما اخذ يفكر فى إجابة ذلك السؤال طوال الليل إلا أنهما لم يستطعا أن يتوصلا إلى إجابة له.. لا زوجها الذى يعرف طباعها و لا شامل الذى يجهل شخصيتها .
.~.~.~.
يتبع
يقرآننا الكريم العديد من الأدعية التي لو لجأنا إليها لأنزلت السكينة على قلوبنا
(وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) (البقرة:186)
...........
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة:153)
يدعى يوميا بهذا الدعاء لفك الكرب
يا حي يا قيوم برحمتك استغيث اصلح لي شأني كله و لا تكلني إلى نفسي طرفة عين
اللهم استجب لنا يا حي يا قيوم
قرأت تلك القصيدة لأول مرة بمنتديات التكية فكان لها أثر فى نفسي لذا أحببت أن تكون هنا فى مدونتى لذا أستأذنت من كاتبها . أتمنى أن تروق لكم .
حكاية شوق مالوش أخر
وليه اشتاق
وانا عارف بان الشوق دا ليه اخر
وانا ف حبك انا العارف
بان الحب
جوايا ملوش ....... اخر
انا ناوى بانى اكتبلك الاشعار
واكون زاهد ف دنياكى
واعيش ف رحابك الموصول على قلبى
وعيشى يبقى وياكى
وتبقى الذاد
ولو عشقك
هافوتله بلاد
لان العشق جوايا
بيندهلك
وانا ف بعدك
اخدنى الوقت
وبتساير مع النجمه المسافره بعيد
واناجيها
واقول لو مره
بس تكون حبيبتى معاكى
وانا اجيها
واخدها بعيد عن الدنيا
انا وهى نروح لبلاد
ما فيها عيون تبصلنا ولا حراس
ونفتح قلب بات مقفول على الحرمان
ونوصد باب غرام واكل ملامحنا
ونفرد كفنا
لله
نقول يا رب ريحنا
دا انا وهي
حنين ممزوج بطعم الحب والحيره
انا فارس ملوش ف الدنيا غير هي
وهيا فى القليب الاسمر
بقى اميره
( دى وناسة هوى ليلى )
وانا لقيتها
وحالف ميت يمين انى
اشد لجام زمن عاصى
واكبل قيد مخوفنى
واسابق ف الزمان واجرى
عشان الحق
اقول كلمه معاندانى
واشبك ايدى مع ايدها
يحاوطنا نسيم الورد
وحلم الغد نفسى ف يوم
انا اروحله ويلقانى
وكلمه اخيره لو ينفع
انا ناوى وهاغزل توب
وشال اخضر
واجيبهملك
ف ليله حب ورديه
ويشهد ع الهوى الطاهر
نجوم الليل
وقمرايا
تضوى حلمنا الفتان
دا انا وانتى حكايه شوق
ملوش اخر
*************
الشاعر
محمد احمد
7/10/2008
جورج إيليت
الاسم المستعار لماري آن إيفينز
ولدت ماري فى مقاطعة وركشاير بإنجلترا في 22 نوفمبر 1819 . كان والدها روبرت يدير أرض خاصة لرجل غني فى أحد الجبال و قد كان لماري آن أخوين هما isaac و chrissy و قد تعلموا جميعا تعليم جيد فى المدرسة.
لم تكن ماري آن جميلة و لكنها كانت تتمتع بالذكاء الشديد فتعلمت الفرنسية و الألمانية و الإيطالية و اليونانية و اللاتينية. كما درست الأدب الإنجليزي و الموسيقي و الفلسفة و الدين. توفيت والدتها 1836 ثم والدها 1846.
عاشت ماري آن في لندن و كانت تدعى ماريان و نشرت كتاباتها كأغلب نساء تلك الفترة بأسم المستعار و هو جورج إيليت و قد كتبت العديد من المقالات و نشرتها فى مجلات و كتب। و تمتعت بعلاقات اجتماعية كبيرة فكان لديها العديد من الصداقات مع الشعراء و الكتاب و العلماء منهم على سبيل المثال تشارلز ديكنز و هنري جيمس و تشارلز دارون।
فى عام 1854 التقت بالممثل و الكاتب الذي أحبته و أحبها جورج هنري لويز و كان متزوجا و لديه أربع أبناء غير أنهما عاشا معا لمدة 23 عام و قد كان الأمر مرفوضا من المجتمع في ذلك الوقت فلم يتم دعوتهم إلي منازل الآخرين أو الحفلات. مات جورج هنرى لويز في نوفمبر 1878 و في عام 1880 تزوجت ماري من أحد أصدقاءها و هو جورج كروس و ماتت في 22 ديسمبر من نفس العام.
من كتاباتها:
Adam bede 1859
The mill on the floss 1860
Silas marner 1861
Middle march 1872
।~.~.~.
فتح السائق الباب الخلفى للسيارة و هو يسب و يلعن نفسه على اليوم الذى وافق فيه على أن يقلها و حملها خارج السيارة و هو يطلب من الفتاة التى كانت ما تزال واقفه فى النافذة تتطلع منها على الزائرة الجديدة أن تفتح له الباب بسرعة و ما هى إلا لحظات قليلة حتى دخل بها الشقة متوجها إلى غرفة النوم حيث قادته الفتاة.
أرقدها السائق بعناية فى الوقت الذى طلبت منه الفتاة أن يتوجه إلى الطبيب و يأتى به بأقصى سرعة، فتركها و انطلق فى طريقه بينما وقفت الفتاة أمام الوافدة الجديدة حائرة لا تعرف ماذا تفعل ؟ فكان الشئ الوحيد الذى جال بخاطرها أن تغير لها ثيابها لكنها ما أن ألقت عليها نظرة واحدة حتى غيرت رأيها، فقد ظنت أن الغضب على وجه تلك الفاقدة للوعى تبعث برسالة تحذير لها بعدم الاقتراب منها فانتفضت لمجرد تخيلها ذلك الامر و تراجعت لتجلس على مقعد مواجه للسرير و هى تتطلع فى الفراغ و تدعوا ألا يتأخر الطبيب.
مر الوقت ثقيلا حتى سمعت صوت السيارة يقترب، فأتجهت إلى باب الشقة مباشرة و فتحته قبل أن يصعد أحد و ما هى إلا لحظات حتى عبر الباب شاب هادئ الملامح لم يكن سوى الطبيب الذى قال:
_ ماذا حدث؟
ردت الفتاة و هو يتبعها إلى غرفة النوم:
_ لقد فقدت وعيها لكني أسمع صوت أنفاسها متسارعة.
_ هل فعلتي لها شيء؟
_لا.
و ما أن خطى خطوته الاولى عند مدخل الغرفة حتى تسمر فى مكانه . و قد شحب وجهه بشدة. ظل الطبيب ينتفض.. برد جسده و ارتفعت حرارته فى آن واحد و بدا مدفونا وسط انفعالته. و لم ينتزعه من تلك المشاعر الغريبة التى عصفت بنفسه حين تطلع إلى وجه الراقدة على السرير فاقدة للوعى سوى يد الفتاة التى ظلت تهزه برفق، و هى تقول بجزع من التعابير التى احتلت وجهه:
_ هل أنت بخير؟
ألتفت الطبيب لها بحركة آليه و ربت على رأسها بحنان قائلا:
_ نعم. بخير.
و بدأ يخطو داخل الغرفة و هو يحاول أن يبدو متماسكا. جلس على طرف السرير بجانبها و ظل صامتا و هو يشعربرهبة المقدم على الصلاة لأول مرة.
تحركت شفتيه أخيرا بتمتمات غير مسموعة و أحس بنفسه كمتصوف داخل دار العبادة يتلو صلاته فى إجلال و هو يناجى ربه أن ينجيه من تلك الحياة البائسة التى يعيشها.. لكنه انتبه فجأة إلى أنه ليس فى دور العبادة بل فى غرفة نوم ترقد بها أمرأة فاقدة للوعى و أنه لا يصلى بل أمامه مريضة يجب معالجتها و تنبه أخيرا أنه ليس أمام ربه حتى يناجيه أن يرحمه بل هو أمام امرأة في غيبوبة أضعف من أن تصلح له حياته الهادئة التى هى شبه خالية من المشاكل و تعجب من حالته أشد العجب، و حاول أن يخرج من سطوة ذلك التأثير الذى باغته كصفعة قوية على وجهه وجهتها له الحياة حتى ينتبه إليها.. تلك الحياة التى كان يعيشها فقط من أجل إراحة كل مريض و إغاثة كل محتاج.
كان مذهولا من نفسه و مذهولا من كل شئ. التقط انافسه اللاهثة كأنه قد نجى لتوه من الغرق و أخذ يردد على نفسه نفس الاسئلة التى سألها للفتاة و هو يدخل من باب الشقة، فقد محت رؤيته لتلك المخلوقة الفاقدة للوعى ذاكرته، فحاول أن يستعيد كل شئ دون جدوى، بل لم يعد يعى أى شئ مما يحيط به. نسى تلك الفتاة التى تقف بالقرب منه و نسى السائق الذى اتى به الى هنا. نسى عيادته التى بذل فيها سنوات عمره حتى يطورها و يدفع سكان تلك القرية المتطرفة إلى الاقتناع به كطبيب.. حتى المعلومات الطبية كان يحاول استرجاعها بصعوبة.. فقط ظل لدقائق ينظر للمريضة و هو يحاول أن يتذكر ما تعلمه فى كلية الطب لسنوات و ما اكتسبه من خبره في عمله لكنه كان تحت تأثير حالة نفسية لم يعرف كنهها منذ أن وقع نظره عليها.
يتبع
.~.~.~.
تلك الرواية بين يديكم هي رواية مسلسلة سأضعها على أجزاء نظرا لطول فصولها أتمنى أن تنال أعجابكم تحياتي لكم
الفصل الاول : حياة جديدة
_ اليوم سأنضم لزوجي في الفراش مرة أخرى بعد فراق شهرين .. اعتقد أنه قد رتب كل شئ كما أريد .
كان هذا هو كل ما يجول فى عقل سهير الشادى و هي جالسة في القطار الذى لم يتحرك بعد و قد أستحوذت المزرعة التى يمتلكها زوجها علي تفكيرها.. تلك المزرعة التى زارتها مرة واحدة قبل موافقتها على الزواج منه منذ ستة اشهر مضت و استعادت فى مخيلتها زيارتها الاولى لذلك المنزل الذى ستعيش فيه مع زوجها بعد ساعات ، و كيف انها بغضته للوهلة الاولى ، فعلى الرغم من أنه يحتل مساحة كبيرة من الارض إلا أنه بدا مبنى مهجور موحش عتيق على الرغم من أن عمر المزرعة لم يكن يتعدى خمسة عشر عام و كادت أن تتراجع عن فكرة موافقتها للزواج من مهندس زراعى يمتلك مزرعة فى اقاصى الصعيد غير أن زوجها همس لها يومها قائلا :
_ الاشياء الجميلة لا ترى إلا من داخلها .
و قد كان على حق، فما أن خطت خطوتها الاولى عبر الباب الخارجى حتى فغر فاهها لذلك البهو المربع الشكل الذى استقبلها برخامه المرمرى و اعمدته المزينة بالرخام الاخضر و سقفه المرتفع حتى يخيل الى الناظر ان رقبته ستؤلمه بشدة قبل أن يصل الى نهايته حيث النجفة النحاسية الكبيرة ذات الطابع الاسلامى . و بالبهو ممران رئيسيان بكل منهما 6 قاعات كبيرة ثم ممر صغير اسفل سلم الصعود يفضى الى مطبخ يوازى شقة والديها فى الاتساع و حمامان كبيران ثم سلم صغير يتجه للقبو . أما في الدور العلوي فبه ثلاثة أجناحه للنوم و غرفتين نوم صغيرتين.. و لم يكن قد تم الانتهاء من تأثيث أى غرفة بالفيلا بعد.
.~.~.~.
تحرك القطار خارجا من محطة رمسيس فى تثاقل و كسل كأنه لا يريد أن يغادر أحبابه حتى لا ينتهى به الحال ميتا فى ارض غريبه، هكذا شعرت سهير و هى تتذكر أن اختها قد ذكرت تلك الجملة امامها حين كانت تجلس معها فى غرفة نومها فى اليوم السابق لمغادرتها حيث عجزت عن فهمها حينها. و رغم انطلاق القطار فى طريقه خارج المحطة بذلك البطء إلا أنها شعرت بحماقة كبيرة لتصرفها هذا فقد أخبرها طبيبها بخطورة سفرها على ذلك الوليد الذى لم يتعدى عمره الثلاثة اشهر بعد ، فوضعت يدها حول بطنها فى خوف و هى تدعو الله أن تمر رحلتها بسلام.
و استطاع شعورها في تلك اللحظة بالانتصار على الحياة أن يقضى على الخوف. فقد كانت الحياة الهادئة التي عاشتها سهير الشادى وسط أسرتها هي العذاب بالنسبة لها، فالحي المتواضع الذي عاشت فيه سنوات عمرها و المنزل المتواضع الذي كان يخنقها كلما جلست فيه وسط أسرتها الصغيرة و العائلة الكبيرة التي قليلا ما كانت تلتقي بأفرادها لأنها تمقت تعاليهم عليها ، كل ذلك كان يشعرها بالاكتئاب ، فقد أرادت دائما أن تحيا في الوسط الذي أحبته في الجامعة ذلك الوسط التي ظلت لسنوات طويلة تحافظ عليه حتى بعد أن تخرجت و عملت. لذا بدت تلك الزيجة بالنسبة لها هى طوق النجاة الذي انتظرته كثيرا بعد أن فشلت في صنع نفسها بنفسها. فعلى الرغم من ذكاءها الذي يشهد به الجميع إلا أنها منيت بالفشل في التخرج سريعا بل و الاكثر واجهت صعوبات جعلتها تستقيل من عملها بعد ثلاث سنوات من العمل الدئوب.
يتبع
.~.~.~.