إيمان عزمي

تتطلع عبر النافذة الصغيرة المطلة على الشارع العريض.. تزداد ملامحها انبهارا.. تعرف أن ذلك العالم الصغير الذي تسكنه بتلك الغرفة هو لا شيء، فلا أحد غيرها يعرف ذلك الشعور بالحوائط .. لا أحد غيرها يتقن التحدث مع الحوائط .. يحاورها تلك الحوائط الأربعة !

تعلمت منذ سكنت ذلك المكان أن تتخذ لكل حائط في غرفتها اسمًا.. هذا الحائط الذي توجد به نافذتها على العالم الخارجي هو حائط الخيال .. لطالما كان كل شيء خلفه هو جزء من خيال غر.. يزحف على المشهد أو المشهد هو ما يزحف عليه لا يهم، فقط هو والخيال عملة من الذهب لكنها عملة صدئة لا تستطيع صرفها.. فقط تأملها لتعلم الصبر.

وهناك خلف ذلك المقعد المتهالك يوجد حائط البكاء. حين تنظر إلى الصورة الوحيدة المعلقة به والتي تلازم عينيها كلما رقدت في سريرها تراه ينظر لها نظرته الناعمة القاسية.. هي تشعر أنه يراها من خلف تلك الصورة .. يراها أينما ذهبت .. يراقبها.. يتفحص لحظات حياتها .. و ينذرها أنه لن يتركها لتضحك. فتتيقن من نظرتها لذلك الحائط أن معناتها ستظل ابد الدهر.. كم هو جبار؟! لكنها أدمنت خشونته.. حتى بعد أن هربت منه.. لذا آمنت أنها لن تنجو من رحلتها أبدا حين تلقاه أمامها وسيرد لها الصاع صاعين، فكيف تجرؤ على التمرد عليه وهو سبب وجودها؟! لكنها عرفت أنها لم تكن ستصمد وهي بالقرب منه و ستكون نهايتها لكنها اليوم صارت تنتظره ليضع بنفسه تلك النهاية التي هربت منها كثيرا عبر ذلك الحائط الثالث حيث تغوص بعينيها في ملامح الباب المهترئ الذي يشق الجدار، وكأنها ترى يد صاحب الصورة يخترقه ليخنقها.

لا شيء بالجدار سوى الباب الذي كانت مجبرة أن تعبر من خلاله كل يوم لتقتات رزقها .. لكنه كان بالنسبة لها جدار الحياة و الموت، لا تستطيع أن تهرب منه حتى لو تجاهلته كالجدارين الآخرين، بل عليها أن تنتظر قدرها عنده.

انتفضت من جلستها على ذلك السرير الخشبي .. انتفضت ليس خوفا من حشرة، فما أكثر الحشرات التي صاحبتها الأشهر الماضية .. انتفضت كي ترى ذلك الجدار الأخير الذي لطالما تجاهلته .. جدار الراحة .. ذلك الجدار الذي يعني رؤيته أنها لا تعرف تلك الراحة. كان سريرها ملتصقا به، فتستند بظهرها عليه حيث لا يوجد ظهر للسرير.. آه من هذا الجدار.. كم تتمنى ألا تراه ؟! فقط تلتصق به كالجنين في بطن أمه حين يلتصق بظهرها، فيغفوا كالنائم فوق ريش من نعام .. كم عشقت اختفائه من ذاكرتها ؟! لكنها تعلمت أن أمام هذا الجدار صورته التي تحاصرها، لذا نظرت نظرتها الأخيرة لجدرانها بابتسامة رضا قبل أن تغلق عينيها على أمنية عيد ميلادها بأن تنطبق تلك الجدران عليها.

انتهت

سبتمبر 2011

التسميات: edit post
0 تعليقات