إيمان عزمي
الحلقة الثالثة
التفت محمود للعجوز و هو في وضع الاستعداد للانقضاض عليه، لكنه فوجئ به مكوما علي أرض الشارع و بجواره عكازه و قد أغرقه الدم المتدفق من رأسه. ألتفت ينظر لأهل الشارع في ذهول لكنهم كانوا انصرفوا عنه بمشاغلهم اليومية. كان الشارع هادئا مقارنة بالمشهد البشع للعجوز القتيل. لم يعرف كيف يتصرف؟! هل يجثو على ركبتيه لتفحص العجوز أم يصرخ أم ماذا؟ و أخيرا أطلق العنان لحنجرته، فانتبه له الجميع. انطلقت الصرخات من كل مكان و كأن حوائط المنازل نفسها تصرخ. أطلت النساء من خلف الشبابيك في حذر ضآمين أطفالهم لصدورهن كأن الطاعون أصاب الجميع بينما بدا الرجال على وشك قتله و هم يركضون في اتجاها، فصرخ فيهم:
_ فليتصل أحد بالإسعاف.
أمسكه بعض الشباب من ذراعيه خوفا من هربه بينما جثى أحد الأشخاص على ركبتيه و تفحص العجوز ثم قال و قد جحظت مقلتيه:
_ لقد قتلته.بدا كأن الزمن توقف في تلك اللحظة، و خيل له أن كل الموجودات تحولت لوحوش كاسرة تريد الفتك به و هو يشعر بالأيدي المغروسة في ذراعه بعنف. لم يجد بدا من محاولة الهرب منهم بعد ما حدث، فالتهمة قد لبسته ككفنه. و أخيرا قال و هو ينظر لهم بأسى:
_ فلتتصلوا بالشرطة، يجب معرفة الجاني قبل أن يهرب.
تحرك المعلم سمسم صاحب المقهى القديم بالشارع في اتجاه أحد المنازل و هو يشير لهم أن يدخلوه قائلا:
_ فليبقى أحد معه و ليأتي أحد معي لنراقب الجثة حتى لا يتم تحريكها.
لم يجاوبه أحد من الحضور، فصرخ في فتى المقهى قائلا:
_ هيا يا مرسي.
كانت ساقا الفتى تتخبط في بعضها و حاول أن يحرك قدميه لكنهما تسمرتا. صرخ المعلم فيه مرة أخرى قائلا:
_ هل أبحث عن رجل بدلا منك بين نساء الحي؟
تحرك أخيرا و سار خلفه و هو ينتفض خوفا. خرجا من المنزل فوجدا الجثة كما هي و أقرب شخص لها على بعد خمسة منازل. فاتجه المعلم إلي مقهاه و الفتى في أعقابه و قد اطمئن من بعده عن الجثة. رفع المعلم سماعة الهاتف و اتصل يبلغ مرة أخرى عن الحادثة بعد أن تأخر الإسعاف. و بينما يغلق السماعة إذ بصوت سارينة الشرطة تهز الشارع الصامت، فخرج لمقابلة الضابط.بدأت التحقيقات بسؤال أهل الحي عما حدث فقص الرجال جميعا عليه نفس الأحداث بينما تسابقت النسوة في إضافة و حذف ما ترآى لهن و أخيرا تم التحفظ على محمود.
كان يصرخ و هو يتم إخراجه من المنزل مكبلا بالحديد:
_ فليخبره أحدكم أن الشارع ملعون. فلتتحدثوا جميعا.
لكن لا أحد رد على صرخاته سوى الصمت. و أخيرا نقل للقسم و هو يردد في ذهول على مسامع الضابط دون توقف:
_ الشارع ملعون.. يجب أن يخبرك أحدهم أنه ملعون ، فهكذا أخبروني.
يتبع
التسميات: edit post
0 تعليقات