إيمان عزمي

الحلقة الثانية

فتح الرجل عينيه و هو يشعر بيد تهزه و صوت يقول:

_ أستاذ محمود، سلامتك ألف سلامه.

بدا محمود منزعجا من إيقاظه خاصة حين اصطدم ضوء النهار بعينيه لكنه ما أن رأي نفسه متكورا على نفسه بجوار باب البناية الساكن فيها من الخارج حتى تذكر الضحكة الشيطانية التي أفقدته وعيه، فأطلق قدمه للرياح صارخا و هو يدفع المحيطين به:

_ دعوني.. دعوني..

غير أن بعض من سكان الشارع قد أمسكوا به فأخذ يلوك لهم اللكمات و العض و السباب حتى غلبته قوتهم فارتمى على الأرض جالسا القرفصاء و هو يلتقط أنفاسه المتسارعة بينما التقطت أذنيه تعليقات سكان الشارع حيث قال أحدهم ضاربا كفا بكف:

_ استغفر الله العظيم. صلي علي النبي يا أستاذ. لقد اتفقنا ألا يدخل غريب لشارعنا ليسكن به حتى لا تتكرر...

فقطع حديثه رجل بدا من مظهره أنه بائع الطعمية قائلا:

_ وحد الله، نحن لا نريد لك الأذى.

هنا انطلقت رأس مشعثة من بين الرؤوس الناظرة إليه لتقول صاحبتها التي بدت في مظهرها أقرب لمتسولات الشوارع المجنونات:

_ كان رجل طيب. نفسه الأخير صعد أم مازال سيعيش؟

هنا زجرها صاحب رأس أخرى أطلت من بين الرؤوس الكثيرة المحيطة بي يبدو أنها لزوجها:

_ اعتدال، الملافظ سعد.

فقضبت جبينها و آثرت الصمت، بينما وجه الرجل كلامه له تلك المرة قائلا:

_ ماذا حدث أستاذ محمود؟ازدرد محمود ريقه ، فها هم أهل الشارع جميعا قد علموا باسمه الذي سيقرن فيما بعد بفضيحة ركضه و صراخه كالأطفال يتندرون فيما بينهم بها حين لا يجدون ما يسليهم في ليالي الشتاء المملة. كانت كل قطعة من جسده تسرب العرق كحنفية مياه منزوعة الجلدة، فحاول أن يستجمع أفكاره، فكيف يخبرهم بما حدث له و هو غير مصدق أن ما تعرض له ليس من وحي خياله؟! و أخيرا وقف و هو يعدل من هندامه و قال:

_ لا شيء. لا شيء.

و كاد أن ينسحب من المكان غير أن واحدة من سكان الشارع قالت و كأنها على وشك الأنقاض عليه:

_ حسبنا الله و نعم الوكيل. لقد أعدت اللعنة لشارعنا.

تلفت محمود نحوها ليتبينها لكن ما لفت نظره عنها هو الجزع الذي احتل وجه الرجال و النساء حوله و صرخات الأطفال الصغار. فصرخ فيهم قائلا:

_ أية لعنة؟! ما هذا التخريف؟!

لم يجاوبه أحد فقد انفض الجميع من حوله كأنه أصيب بالجذام، فانصرف الرجال لأعمالهم و انصرفت النساء لتهدأة صرخات الصغار بينما بدا شباب الشارع كأنهم يتحدثون عنه من نظرات عينيهم الفضولية اتجاهه لكنه لم يعبأ، فقد قرر أن يعود إلي شقته ليأخذ حماما دفيء لكن ما أن تحرك حتى وجد جاره المحاسب العجوز قد وصل إليه قائلا بحنق و هو يلهث من فرط الركض وراءه:

_ ألم أحذرك من النزول من المنزل بعد منتصف الليل؟

أشاح محمود بوجهه عنه قائلا بصوت خافت و هو يمضي في طريقه:

_ عجوز مخرف.

هنا شعر بشيء يصطدم برأسه بقوة فأطلق صرخة ألم و ألتفت ليمزق العجوز الذي ضربه.

يتبع

التسميات: edit post
0 تعليقات