كل ما أردته أن ابكي!!!!!!
جلست في أحد الأركان الهادئة في ذلك المكان الصاخب. بدا على وجهي أن الصمت و الهدوء في أوجهما لدي. فعينيني تشير للهدوء الشديد و شفتي المطبقة في كبرياء تدل علي زهد في الكلام رغم أنني كنت أعاني من العكس. لم ألتفت أبحث عنه كما تعودت أن أفعل من قبل. فقد كنت أعرف أين هو في تلك اللحظة. فقط أخذت أتطلع من خلف ستار النافذة التي تحجب الرؤية عن العالم الخارجي.
هو يعلم أنني في انتظاره دائما. يعلم كيف يدير ذلك القلب المجنون به. يعلم أن ذلك المظهر المغرور يهتز عند قدميه ليبدو مهترئا لا قيمة له. أتأمل للحظات عمري الضائع في تلك الجلسة المستمرة. للمرة الأولى أشعر بالفراغ يجتاحني كشلال. في كل مرة كان يهرول إليّ و يبكي معترفا بجرمه كنت أضمه إلي صدري و أبكي معه و كأن دموعي تمحو ذنوبه كلها، فأنسى كل شيء كأن لم يحدث. و اليوم أعرف أي صدر يحتويه. أي شفة تلتهمه، فأنزف داخليا و أثور:
_ أين كرامتك يا امرأة؟!
فيحل صمتي علي صمتي.
_ هل تلك هي الحياة؟!
سؤال أدار رأسي، فصرخت بصوت لم يخرج قدر أنملة عن مقدمة حنجرتي:
_ ليتني لم أعشقه.
أتطلع في ساعة يدي. إنها الثالثة صباحا. ما عدت أحتمل. صور الخيانات السابقة ظلت تراقصني قرابة الخمس ساعات التي انتظرته فيها. هو دائما يعلم بميعادنا. لكنه تعلم أنني لن أنصرف حتى لو مر دهر على جلستي تلك حتى يأتي و يأمرني بالمغادرة.
وقفت غاضبة و قد ألقيت ثمن الشراب على الطاولة، و الصوت الثائر في عقلي يصرخ:
_ فلتنجي بنفسك، إنها فرصتك الأخيرة.
نعم هي فرصتي الأخيرة. يا لسعادتي ها هو قادم يتلفت باحثا عني. ألوح له و أنا أكاد أفقد جاذبيتي من السعادة و أحلق عاليا. أنا هنا أيها الحبيب. هنا في انتظارك العمر كله.
أبتسم لي ابتسامة لم أعتادها منه فتلك بها حدة غريبة. كان وجهه متجهما. لم أراه على تلك الحالة من قبل. ترى ما الذي أغضبه لذلك الحد. لم يلوح لي كما أعتدت. بل سار في تجاهي بخطوات يملؤها الغضب. نعم أنا أعرفه حين يكون غاضبا و هو الآن بلا شك في ثورة غضب. أكاد أقسم أنه على وشك الانفجار.
دعوته للجلوس لكن بدلا من ذلك قال و هو ممسكا معصمي بقسوة:
_ هل قابلتي سامر بالأمس؟
_نعم. قابلني.
و تذكرت كيف قابلني، فقلت له باشتياق غطته نبرة صوتي المجروحة الغاضبة من تذكيره لي بالأمس:
_ قابلني و أنا أبكي انتظارك ثلاث ساعات و أنت في أحضان تلك المرأة الأخر و أنا أتمزق مما يحدث بينكما. أراد صديقك أن يخفف عني مصابي المستمر فيك لكنه ما استطاع. كنت أتمني أن يخفف عني قليلا و لكن لا أحد غيرك يمكن أن يشفي قلبي.
كم كنت أتمني أن يسمعني يهدهدني كما تهدهد الأم وليدها لكنه بمزيد من القسوة قال و هو يزيد ضغطا علي معصمي:
_ خائنة. اعتقدتي أنني لن أعرف بالأمر. لقد أنتهي كل ما بيننا.
ثم غادر في لمح البصر دون أن أستوعب كلامه أو أجاوبه. تركني أكاد أفقد وعي. خمس سنوات من المسامحة و النتيجة صفعة علي الوجه. لماذا؟! ماذا فعلت حتى يثور كل تلك الثورة غير المبررة؟! جريت خلفه استعطفه كي يفهمني أي جرم ارتكبته في حقه حتى ينهي حياتي بتلك الصورة. صرخت فيه:
_ كيف تتركني هكذا و أنا المجروحة منه دوما؟! كيف تقابل تحملي كل نزواتك بتلك الطريقة؟!
لكن لم تجاوبني سوى نظرات تتهمني بالجنون. لملمت سنوات عمري المهدرة و غادرت المكان و أنا مقروحة العينين. صممت ألا أخدع نفسي مرة أخري معه لكن ما أن جاء ميعادنا اليومي حتى وجدتني أنتظره في نفس مكاني عله يكون قد راجع نفسه و يعود سريعا إليّ. لكن الدقائق مرت و الساعات لحقت بها دون ظهوره.
لم أغادر جلستي قرابة اليومين عله يعود، فلم يستطع صحاب المكان إقناعي بمغادرته، فكل ما أردته رؤيته بعد أن أغلق تليفونه المحمول حتى لا يرد علي مكالماتي المتواصلة. فوجئت بصديقته تأتيني ضاحكة قائلة:
_ لقد علم بما حدث بينك ِ و بين سامر صديقه.
و ماذا حدث؟! لا شيء سوى البكاء علي كتف صديقه. سبب غريب للهجر و الأغرب أن يأتيني منها. تلك التي بكي علي كتفها مرارا و تكرارا أمام عينيّ. تلك التي ثار عليّ من أجلها حين عاتبته لأني رأيتهما معا في أحد زوايا المكان و أتهمني بالشك في حبه. و الآن لماذا تلك الثورة ؟! أليس من حقي أنا الأخرى البكاء؟!!! هو يعبث كل يوم و أنا أتحمل و أتحمل. كنت في حاجة لمن أبكي علي كتفه. كل ما أردته أن ابكي. و الآن ها أنا أرحل مع دموعي بعد أن استجاب الله لرغبتي.
الخميس 22 / 11 /2007