إيمان عزمي
غادريني في صمت
لا تنظري لي هكذا. لا تشعريني أني مقصر. تلك النظرة الضيقة تجعل عقلي يدور و يدور من التفكير. توقفي قليلا عن العتاب الصامت. فلست أملك سوى رد الصمت بالصمت. تريدين أن أرد علي تساؤلاتك الحائرة علي شفتيكِ. تريدين أن تعرفي لما أنا منزويا في منزلنا منذ سنة؟ لا هم لي سوي الجلوس أمام تلك الآلة الكئيبة التي تعتقدين أني أعشقها و أفضلها عنك ِ. تريدين أن تعرفي سر صمتي المتواصل ها هنا في ذلك المنزل الذي يحتوينا منذ سنوات. ماذا تريدين أن تعرفي أيضا؟ أطلقي العنان لأسئلتك كي أجاوبك ِ. أنطقي بما يأبى لسانك علي النطق به. عاتبيني لو أحببتي. اصرخي لو أردتي. و لكن أرجوك ِ أن تتوقفي عن تلك النظرة القاتلة. .~.~.~. ها قد ماتت سنة أخرى في حياتي و أنا مغروسا في تلك الجلسة الكئيبة . أتطلع حولي في الفراغ لأرى الحوائط تجاوبني على تساؤلاتي العقيمة. أي سر أخبئه عنكِ؟! كم أتمنى أن أخبركِ كيف بدأ الأمر؟ كم أتمنى أن ابكي بين ذراعيك ِ و أقول أنى أجبرت على الاستقالة من كل شيء. أجبرت على الانتحار من طابور العاملين لأموت رويدا رويدا في طابور العاطلين و ... كم الأمر قاسي و مهين . آه من تلك الأيام . كل يوم اغادرك ِ في نفس ميعاد عملي للبحث عن وظيفة جديدة. عن حياتي التي قتلت في لحظة دون ذنب. لو كان بيدي شيء لقتلت قاتلي الذي أنزلني من عرشي مرتين. ساعات من البحث المتواصل. اتصالات لا تنتهي بالشركات و مقابلات شخصية لا حصر لها. الكل لا يصدق أنه تم الاستغناء عنى دون سبب. الكل بلا استثناء يعتقد أنى احمل بين طيات نفسي مصيبة جعلتهم يلقون بي خارج مملكتى. تسألين كيف لم تشفع عنك سيرتك الذاتية؟! أي سيرة تتحدثين عنها. إنها هباء في هباء. كل يوم أتلقى وعود بالوظيفة. كل يوم احلم بغد مشرق. كل يوم اصبر نفسي أنى سأعمل و سأعمل و سأعمل. لكن في نهاية كل يوم يموت الأمل عند جفوني. تنتحر الأحلام في عقلي. لا شيء يتغير حولي. سنة كاملة من البحث. سنة من الفشل. سنة من تحطيم الآمال و الأحلام. لكنى لم أيأس . ظللت متمسكا ببصيص الأمل الواهي. تلقيت المكالمة التي أريدها. أتعرفين أين عملت. بعد سبع سنوات من العمل المضني بدأت من الصفر. بدأت من تحت الصفر. مندوب مبيعات في شركة تسويق أدوات منزلية بلاستيكية بعد خمس سنوات من نقش الصخر في كلية الهندسة و سبع سنوات عمل كمهندس. بعد 12 سنة من العمل المتواصل هذا هو مصيري لم يكن أمامي أن أرفض. فلو كنت املك المال لأنشئت شركتي الخاصة. ستقولين لا يهم. ستقولين لا يهم الوظيفة المهم أن تعمل. المهم ألا تجلس تلك الجلسة للأبد. و سأقف بجانبك. ستتحسن الأوضاع و تعود لي زوجي الذي أعرفه. لا داعي لأن تقولي شيء، فقد قلت كل شيء لنفسي و أكثر. سنة أخرى و أنتي لا تعلمين شيء عن عملي الجديد. سنتان من الذل و المهانة من أجل البقاء حيا.. لا من أجل الإبقاء على كرامتي و لكن لأبقى على كرامتك و على أسرتنا. لطالما راودنى الأمل في تغير الحال لكن الأمر الآن محال، لطالما اعتقدت أن في المستقبل سيكون لي مستقبل. لكنى كنت واهم. سنة ثانية مرت و أنا على نفس المنوال. كل يوم أتجرع مرارتي وحدي. كل يوما أتلقى إهانات جديدة. حتى طفح الكيل. أتذكرين يوم أن تأخرت عليك منذ عام و غبت عنك ِ يومين. أتعرفين أين كنت؟ كنت حبيس نفسي المقهورة. كنت حبيس صدمتي الأبدية. كل ما فعلته لم يجدي نفعا. كل يوم كنت ألاقى ألوان و ألوان من البشر حتى كان ذلك اليوم الذي مات بعده كل شيء بداخلي للأبد. .~.~.~. قبل الظهر بقليل صعدت إلى احد المنازل كعادتي اعرض منتجات الشركة، لم أكن قد حققت أرباح منذ أسبوع. حتى الوظيفة الوحيدة التي قبلتني كانت قد قبلتني اسما، فكثيرا ما فشلت في تسويق بضاعتي و لولا رأفت صاحب العمل بي لكان قد ألقى بي هو الأخر في الطريق و ليته فعل. أسبوع و أنا أسير كالتائه . أسير حتى ترغمني قدمي على التوقف. اصعد أبراج و انزل عمارات دون جدوى. حتى كانت تلك العمارة المشئومة. كنت أتجنب الاقتراب من الحي الراقي الذي نسكنه، فكرست جهدي لممارسة عملي في الأحياء الشعبية البعيدة عنا. طرقت الباب على أول شقة فلم يأتيني الرد. صعدت للشقة الثانية و طرقت دون جدوى أيضا. تسرب اليأس إلى نفسي و كدت أغادر العمارة و ليتني فعلت. ليتني استسلمت لإحساسي الذي ساورني بالخوف من المجهول. ليتني اعتقدت أن لدي الحاسة السادسة لحدوث الكوارث. لكنى الآن مؤمنا أنه لا مجال لكلمة ليت في قاموسي، فقدري محتوم محتوم. ست شقق في العمارة رفضت إجابة توسلاتي لها بمساعدتي. ست شقق لم يكن يسكنها احد. دون أن اعرف. لكنى كنت مصمما على النجاح كنت اجري وراء سراب الأمل حتى جاءت الشقة الأخيرة. طرقت الباب فلم يأتيني رد. ثم طرقته مرة أخرى في يأس و مع تلك المرة فتح. اتسعت ابتسامتي في وجه المرآة التي فتحته. ابتسامة بائع لمشترى و لكن هل تعرفين؟ اكبر حماقة أن ابتسم في وجه من لا اعرفه. .~.~.~. أمازال لديكِ الفضول لمعرفة الأمر؟ أمازلتى على استعداد لسماع أناتي؟ بالله عليك أريحيني و اتركيني وحدي. .. دعيني في دائرتي المفرغة حائرا. دعيني أعتنق اليأس خيرا من الجنون. و لا تحرميني من لحظات هروبي. اتركيني أتشرب من عذابي وحدي. أن أسكن حزني وحدي. أن أتمزق بغربتي وحدي. يكفيك ِ ما عرفته. توقفي عن ملاحقتي بالاستكمال، فما عاد ذلك اللسان قادر على الاستمرار. ما عاد ذلك القلب يرغب في رؤية الإشفاق على وجهك . كم ارغب أن أمزق ذلك اليوم من دفتر حياتي . أن أتبرأ من نفسي . أن الهث هربا من ذاتي. تصرين على معرفة الأمر. لماذا الآن؟! اطفح كيلك أمام هجري أم هو حب معرفة المصير؟! أتريدين أن تطحني من التفكير كل ليلة مثلي. تريدين أن تكوني ظلي البائس. أن تشاركيني في عذاباتي. أن تضعي ابتسامة مرسومه على وجهي. موهومة أنت ِ لو ظننتي أن كلامي سينهي عجزي. و أن كلامك سيغير حزني. موهومة لأنك ِ ستظلي سبب حزني. من اجل سنوات مضت بيننا لا تسألي فما عدت قادرا على البوح . ما عدت ذلك الرجل. ما عدت رجل. فقط غادريني في صمت.
التسميات: edit post
0 تعليقات