إيمان عزمي
مصيـبـــة
اندفع إلي الغرفة صارخا و هو يكاد يمزق الهواء أمامه، فانتفضت مبتعدة عن طريقه حتى التصق ظهرها بالحائط دون أن تجرؤ على الكلام، بل لم تجرؤ علي أن تتحرك قدر أنملة من مكانها. فقط حاولت أن تستقرأ بعينيها ما يبحث عنه. أما هو فلم يعبأ بذعرها بل ظل يصرخ قائلا: _ إنك ِ لا تفقهين شيء. عن أي شيء يتحدث؟! لم تجد بعد تفتيش عقلها ما يمكن أن يرشدها لسبب ثورته تلك. فكل طلباته تتحول لديها إلي أوامر تنفذها كعسكري أمن مركزي و رغم ذلك لم تنزع يوما أنوثتها عنها و هي بين يديه. لم يساهم صمتها في حمايتها من اندفاعه ناحيتها و جذبها من معصمها و دفعها للجلوس علي السرير لذا قررت أن تتسلح بالكلام لكن لإشارة يده أوقفت فمها قبل أن يتحرك. جلس أخيرا علي مقعد السرير. أرادت أن تجفف عرق وجهه بيدها لكنها تعلم كم يبغض ذلك التصرف حين يكون ثائرا. لذا اكتفت بأن ربتت بيدها علي يده قائلة: _ عزيزي... و قبل أن تكمل كانت حرارة يده التي تكفي لإنضاج أثلج طعام في دقائق جعلتها تشهق: _ يا الله. أزاح كفها عنه، فوفقت تبغي التصرف سريعا لخفض حرارته لكنه جذبها من يدها و أجلسها مرة أخرى قائلا: _ فلتذهب صحتي للجحيم. و أمام جملته الأخيرة استسلمت له ليصبح الصمت هو صاحب الكلمة الأولى بينهما لدقائق. حاولت أن تستخدم خبراتها السابقة معه في القضاء على ثوراته لكنه قال: _ أين هو؟ _ ماذا؟! _ قولي من؟ المحروس .. ابنك بالطبع. تمنت لو تطالبه بالكف عن مناداته بذلك اللقب. أليس هو ابنه أيضا؟ لكنها أمسكت لسانها قبل أن ينطق ، فالموقف لا يحتمل مثل ذلك الكلام ثم قالت: _ في الجامعة. الآن تستطيع أن تتبين سبب ثورته. لابد من أنه ... _ نعم من غيره يستطيع إثارتي بتلك الطريقة فكلما دخلت من بابا الشقة أجده أعد لي مصيبة جديدة. أجفلت الزوجة من كلمة مصيبة. تري ماذا فعل ابنهما تلك المرة؟؟ هي تتذكر مشكلة الأسبوع الماضي حين أخذ السيارة دون أذن والده و عودته في صباح اليوم التالي و كيف كاد ينفجر فيه لولا قيامها بتهدأته، فالوقت كان مبكرا جدا و لن يناله سوي دعوات من سيوقظهم بصوته من الجيران. و تتذكر مشكلة أول أمس حين أخذ بذلته الجديدة ليحضر حفل زفاف صديقه و كيف عاد يومها و قد لطخها بأشهي المأكولات. ترى ماذا فعل اليوم؟؟ سألته فما نالها إلا صراخه في وجهها: _ تسألينني؟! لم و لن تلاحظي شيئا أبدا. تركها و اتجه إلي هاتفه المحمول و اتصل به لكنه ألقاه فجأة علي السرير و قال: _ لقد أغلق ابنك هاتفه حتى لا أعنفه و أطلب منه العودة. ذلك الولد يحب استفزازي. _ بالطبع لا. أنه يحبك. ربما الشبكة هي المعطلة حيث يوجد. _ نعم.. ستدافعين عنه كما تفعلين دائما، أليس تربيتك؟ _ ماذا؟! لن أجاوبك و أنت في هذه الحالة و لكن دعني أذكرك أنك أنت من قام بتربيته. أم نسيت أنك عاقبته على سقوطه في العام الدراسي الماضي بأن أعطيته مصروفا لقضاء أسبوع مع أصدقاءه في الإسكندرية بعد ظهور نتيجته بيوم واحد. و مواقف أخرى كثيرة. و الآن ما سبب كل تلك الثورة؟! نظر لها بغيظ و قال و هو يجز علي أسنانه قبل أن يخرج مندفعا و يغلق الباب عليها: _ لقد أخذ شرابي يا هانم. الشراب الذي سأخرج به.
التسميات: edit post
4 تعليقات
  1. غير معرف Says:

    السلام عليكم صديقتي العزيزة
    جميل ما خطت اناملك قصة مشوقة ونهاية لذيذة .اتمنى المزيد من قصصك الرائعة
    تحياتي
    حنان نجار


  2. و عليكم السلام عزيزتي:
    الحمد الله انها نالت أعجابك
    و أنا أيضا أتمنى المزيد من الكتابة
    لك ِ أيضا أرق التحيات
    و بالتوفيق


  3. غير معرف Says:

    جميلة جدا ايمى :

    متصورتش النهاية أبدا.. نهاية ظريفة

    بس تعرفى عزيزتى كان اختيارك للإسم له كذا معنى فى القصة
    (مصيبة: فى طريقة تربية الوالدلإبنه )

    ومصيبة ... الشراب اللى أخذه الإبن

    من والده دون علمه طبعا هيه دى

    المصيبة اللى بيحكى عنها الأب لزوجته


    أحسنتى عزيزتى فكرة القصة جميلة جدا


    خالص تحياتى وتمنياتى

    لكى بالمزيد من الإبداع

    فاطمة وديع


  4. السلام عليكم
    الاخت فاطمة وديع عذرا لتأخر ردي عليكي
    و يسعدني أنها راقت لك ِ
    تحياتي لك ِ